الثلاثاء، 5 مارس 2013

الحب عندما يجتمع معه الظلم

الحب عندما يجتمع معه الظلم
من كلماتى : محمد عاطف

كاد أن ينسى آلامه السابقة والجروح التي طعنته خلف ظهره من قبل الذين خدعوه باسم الحب والتقدير والإخلاص، كان يعتبرهم أكثر من أصدقاء بل أكثر من إخوته الذي لم يتذوق طعم الحب معهم بسبب كراهيتهم له، والكراهية كانت ناتجة بسبب انه كان غنى الاحترام ما بين أهل بيته [ والده ووالدته ] وغنى الحب والتقدير والمصالحة كان دائما هو من يتقدم إليها ويتكلم ويفتح لها حديث، عندما فكر في يوم أن يلجأ إلي الحب الحقيقى كانت له أعذاره فهو مسكين ووحيد في حياته لم يتذوق طعم ومعنى الحب بعد، حاول أن يعمل في أكثر من مجال لكي يتأقلم ويعاود نفسه على تحمل مسئوليته لكي يتزوج ويفتح بيتاً له.
       كان متخرجاً من معهد للصحافة، وكان يحب القراءة والكتابة ويسهر ليالي كي يكتب ويخرج ما بداخله من كلمات، عمل في إحدى الصحف الخاصة التي تتسم بالشفافية والحرية في الرأي والإبداع، عرض عليهم أن يكتب مقال كل يومين فهو منشغل دائماً البال، يعاود التأقلم على حياته ولكن لا يعرف طريق للتأقلم بعد بسبب غيابه عن بيته في بلدته وسفره إلي القاهرة وقيامه بإستئجار بيت في إحدى العشوائيات.
       وافقت إدارة الصحيفة الخاصة على العرض الذي تقدم إليهم به وهو أن يكتب مقال كل يومين في الصحيفة التي يعمل بها، فأستشعر بأن الحظ سوف يبتسم له بعد أن أدرك تماماً أن الحياة لن تتوقف فقط عند التفكير ولكن عند أشياء أخرى فهو ما زال يبحث عن الإنسانة التي يرتبط بها ويبادلها الحب والرومانسية والطمأنينة.
       وفي يوم من تلك الليالي الحزينة الغاشمة التي كانت تسدل ستارها عليه قابل فتاة جميلة الشكل قويمة البدن تسكن بجانب شقته وعلى بضعة خطوات فقط من الشقة المستأجرة خاصته، نزلت عينيه عليها كادت أن تزحف ورائها لكي تعرف مكانها ولكنه شاهدها وهي تدخل في إحدى العمارات القديمة المائلة التي بجانبه فاطمأن قلبه وعرف انها تقطن في هذه العمارة التي بجانبه.
       لم يعرف معنى الحب بتاتاً في حياته إلا حب الله فقط فهو كان يصلي ويصوم ويزكي ويعرف ما هي الحرمات التي حرمها الدين وحرمها الله سبحانه وتعالى وما هي الاخلاق التي أمر بها الرسول [ ص ] فكان يعمل بها جاهداً ان يتمسك بشريعة الإسلام وسنة نبينا محمد [ ص ]، وفي صباح اليوم التالي كان ينتظرها من شرفته فلم يشاهدها قط، فلبس الحذاء وشرب كوب من الشاي الدافئ وقال لنفسه هل ياتري سوف اشاهدها مرة أخرى هذه الليلة وانا راجع من عملي أم لاء؟
       كانت مقالاته في عمله في الصحيفة التي يعمل بها عبارة عن قصص وروايات تتعلق بالحب والرومانسية في زمن لا يتضح فيه وجود هذه الأشياء ابداً، وكانت من كل لون وطعم، كانت أحياناً تتعلق بالظلام الدامس على الإنسان وما هي العقبات التي تقف أمامه وهو يواجه مسئولية الحياة ومشاكلها المختلفة المرتبطة به ارتباطاً وثيقاً.
       وفي الليلة ذاتها وهو ذاهب إلي بيته، شاهدها وهي تستوقف إحدى العربات لكي تستقلها فبسرعة فائقة ذهب إليها وأوقفها وسألها هل انتى ذاهبة إلي مكان ما، فقالت له وهي مستغربة الشكل وما لك أنت أن تسألني لماذا وماذا وهل ويا ترى؟
       أغمض عيونه في دهشة وقال لها أنه سوف شاهدها ليلة أمس وهي تستقل بيت من هؤلاء العمارات القديمة المجاورة لبيته الذي يسكنه، فضحكت وقالت أنها بالفعل مقيمة هنا وفي نفس المكان الذي أشار إليه بأصبعه، ولكنها ذاهبة لمحل عملها، فقال لها بدهشة! ماذا قلتي، الساعة الحادية عشر مساءاً وما هو العمل الذي تعملينه في هذا التوقيت؟! قالت له أنا فتاة أذهب إلي إحدى البارات وأقوم بالجلوس مع الزبائن وأخذ منهم بعض المال في الليل عندما أنتهى من عملي، سألها ولماذا ليلة أمس في هذا التوقيت شاهدتك وأنت تدخلين من المفترض أن تكونى هناك؟ قالت له إنها كانت تشتري دواءاً لوالدتها المسكينة المريضة فهي لا تملك إلا هي وضاقت عليها الدنيا وأخذتها شمالاً ويميناً وها أنا الآن من بعد تخرجي من كلية تجارة لا أعرف طريق لأى عمل في إحدى المصالح الحكومية أو الخاصة، فأضطرتني الظروف إلي أن أعمل في هذه الوظيفة كي أقوم بالإنفاق على والدتي المريضة حتى لا تموت ويأنبني ضميري ويكاد يقتلني ..!!
       نظر إليها نظرة بريئة وقال لها ما أسودها هذه الحياة عندما تضطرنا إلي أن نقوم بعمل شئ لا نحبه ولكن لمساعدة أشخاص آخرين حولنا أبرياء، هل أستسمحك وأعرف ما الدواء الذي تشترينه لوالدتك المريضة، قالت له هذا وذاك وتكلفتهم كذا في الشهر الواحد فهل أنت تقدر على شرائهم، قال لها نعم أقدر على صرف هذا الدواء كل شهر بشرط أن تعملين معي، قالت له ماذا قلت، وماذا أنت تعمل كي أعمل معك، قال لها أنا أعمل كاتب في إحدى الصحف الخاصة، قالت وماذا تريد مني أن أعمل انا لا أجيد ابداً عمل الصحافة والذي يرتبط به فأنا دراستي كانت عن المحاسبة وأنت تعرف ذلك، قال لها وهو ينظر إليها نظرات بريئة وجميلة كادت أن تخطفها، انا أريدك أن تعملي معي في المنزل كزوجة نقوم بمسئولياتنا سوياً وتربطنا حياة جميلة خالية من أى شوائب فهل أنتى براضية..؟؟
       فرحت وقالت ولكنني لا اعرف عنك أي شئ، فأرجوك حدثني عن حياتك وأهلك وهل أنت ساكن وحدك أم معهم، قال لها إنه ساكن وحده وهم في بلدتهم وانا هنا، قالت له بإستعجاب وما الذي أتى بك إلي هنا ولماذا أنت ليس معهم الآن فهم أهلك لماذا تركتهم هكذا، قال لها تركتهم لأنهم تركوني وخذلوني وجعلوني وحيداً في هذه الدنيا أستضعف نفسي وأحاول التأقلم على حياتى وأنا مسئول عن نفسي كما ترين الآن وتشاهدين، قالت له حدثني أكثر عن حياتك فأنا متشوقه..
       قال لها هل توافقين على أن تأتين معي نذهب في جولة للعشاء في أى مكان تريدينه في الخارج، أأنتى ملاحظة أننا كل هذا ونحن واقفون في هذا الشارع، قالت بلي وأنا كنت ذاهبة لعملي ولكن الآن فهذا ليس بعملي وليس من المهم أن أستقل من الآن أى عربات تستقلني إلي هناك حيث كنت أعمل ..
       قال لها وهذا الذي كنت سوف أرجوه منك فأنتي الآن تفهميني كما أفهم نفسي، والآن هيا بنا إلي مكان هادئ كي نقوم بالعشاء ثم إلي فتح باب المناقشات من جديد وأنني بعد الآن أشتاق أن أقابل والدتك وأتحدث معها ولكن دعيني أقول لكي وأعذريني، انتى لم تتحدثي عن أخوتك ووالدك فماذا عنهم، قالت له أنا وحيدة وقولت لك هذا من قبل لو تستذكر كلامى، ووالدي متوفي من سنين طويلة، ووالدتي كانت تعمل خادمة في إحدى الشقق والمرض نال منها وللأسف طريحة الفراش من زمن بعيد، قال لها هل تعذريني لو سألت سؤال أخر لكي، قالت له تفضل وهذا حقك أن تسأل وأنا أجاوب، قال لها هل ذهبتي مع أحدهم، قالت له أرجوك لا تستكمل السؤال والحديث في هذا الشأن فأنا عملت هذا العمل كي أقوم بشراء دواء والدتي المريضة كل شهر حتى لا تضيع مني وأصبح تائهة أكثر وأكثر في هذه الحياة، ولكنني لم ابيع نفسي قطاً لأى أحد، ولكن الكثير كان يحاول الوصول لي ولكن الحمد لله لم يتم أى شئ من هذا القبيل لان الله أعلم بنيتي واتمنى منه وأرجوه أن يسامحني فأنا أضطرتني الظروف إلي العمل في تلك الاماكن والله بي شهيداً وعليماً حتي أنفق مالاً على دواء والدتي.
       كادت أن تزرف عيناه الدموع ولكنه تمسك وقاوم حتى لا يشعر بأنه ضعيف أمامها، فقال أعذريني أن أتقدم بتلك الأسئلة وأنتظر إجابتها منك فأنا مهما كنت لا أعرف عنك الكثير وبالظبط هذا حالك عنى فهيا نترك لبعضنا المزيد من مسافات عدم الغضب ..
       إبتسمت له وقالت.. كنت واثقة أن الله يحبني وسوف يبعث لي بإنسان جميل المشاعر ويقدرني ويهتم بي ويحبني كما أنت أحببتني، قال لها ولماذا تقولين هذا، وعرفتي من أين وما هو مصدر ثقتك أنني أحببتك، قالت له، لأننى أستشعر دقات قلبك الآن وأفهمك وأنت تفهمني ونقدر ظروف بعضنا البعض وأنا لم يحالفني الحظ أن أفتح قلبي هكذا لأحد في أى يوم من الايام إلا هذا اليوم، فقال وهو مبتسم الشكل وحرج النظرات كلامك صحيح فأنا من ليلة أمس وأنا أنتظر أن يجيئ هذا اليوم كي أشاهدك مثل ما شاهدتك بالأمس والحمد لله أننى قمت بالحديث معكى والآن انا متواجد وأنتى معى نتحدث ونتشاور ونتناقش يا لها من فرصة جميلة لا تتعوض ابداً في حياة أى إنسان إلا أن يكون الله حبه ويكون هو محبوب له.
       في الغد سوف أقوم بمقابلة والدتك وطلبك منها وسوف أنسيكي كافة أحزانك وسوف أقوم بعلاج والدتك في أكبر المستشفيات فأنتو من الآن أهلي وناسي وأحبابي، فأهلي تركوني والآن ها قد حانت اللحظة أن أقول إننى وجدتهم.



31/12/2012
في نهاية عام 2012
9.00 P.M

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق